"اشعر وكأن لي قلبان، قلب احزن به لنفسي وقلب احزن به على الآخرين”
هذه الكلمات، التي نقلها نعوم شوستر لمجلة +972 المستقلة، يتردد صداها معنا جميعًا ونحن نعاني في أعقاب المآسي الأخيرة، حيث تسيطر صور الدمار في غزة وخارجها، من الإنفجار القاتل في المستشفى الأهلي والغارات الجوية المستمرة على قنوات الأخبار على مدار 24 ساعة، ورغم أننا قد نكون على بعد آلاف الأميال من العنف، إلا أن طبيعته العلنية تتركنا بمشاعر شديدة من الصدمة والحزن والغضب والإحباط والعجز، وهذا هو ما يُسمّى "حزن الحرب الجماعي".
إن حزن الحرب الجماعي هو تجربة عميقة ومشتركة تظهر في أعقاب الحرب، وتحتوي ارتباكات مشاعرية إزاء الخسارات والصدمة والدمار، إنه يتجاوز الحدود الجغرافية؛ فليس من الضروري أن تكون على الخطوط الأمامية لنزاع مسلح حتى تشعر بتأثيره، إن صور الدمار الذي لا معنى له، والأمهات الحزينات، والأطفال الجرحى قوية بما فيه الكفاية لتثير استجابات عاطفية شديدة، وقد يكون من الصعب التعامل معها في كثير من الأحيان، سواء كانت لدينا علاقات شخصية بالصراع أم لا، يمكننا أن نتعاطف مع المعاناة العميقة التي تعيشها الأسر والمجتمعات المتورطة في هذه الحروب.
إن مشاهدة مظاهر الحزن العامة، مثل موكب الجنازة الذي حضره الآلاف للصحفية البارزة شيرين أبو عاقلة، التي قُتلت بالرصاص بشكل مأساوي على يد القوات الإسرائيلية، تترك بصمة لا تمحى على نفسيتنا الجماعية، وفي مواجهة مثل هذا العنف الذي لا معنى له، كثيرًا ما نجد أنفسنا غارقين في الشعور بالعجز، ومضطرين إلى مواجهة المعاناة الإنسانية والحاجة الملحة للسلام.
وإن شاهدنا الأحداث الجارية، نتذكر الخسائر الفادحة التي تكبدناها عبر التاريخ، وهذا يضيف طبقة أخرى إلى حزننا الجماعي للحرب، وبينما نحزن على من فُقدوا في الصراع، فإننا نفعل ذلك من خلال عدسة التاريخ الأوسع، إننا لا نحزن على الأرواح التي ضاعت فحسب، بل أيضًا على إمكاناتها والفرص واللحظات التي سرقتها مآسي الحرب، إننا نحزن على الفرص الضائعة والوقت الضائع، ونحاول أن نفهم كيف وصلت دولنا إلى نقطة أصبحت فيها متورطة في مثل هذا الدمار! وخلال الحزن الجماعي للحروب، نجد أنفسنا في مكان يتشابك فيه الحاضر مع مآسي التاريخ، مما يجبرنا على البحث عن معنى وسط فوضى الحرب، ومثل أي شكل آخر من أشكال الحزن، فإن حزن الحرب الجماعي يمكن أن يدمرنا إذا تُرك دون معالجة.
تبدأ معالجة الحزن الجماعي بفهم ما نشعر به، فإذا تمكنا من التعرف عليه، يمكننا التعامل معه، يقدم برنامج "تكلم" أربعة اقتراحات لأولئك الذين يعيشون في خضم حزن الحرب الجماعي:
- السيطرة على مشاهدة الأخبار الخاص بك
يمكن لوسائل الإعلام أن تعزّز المخاوف والقلق المتعلق بالتهديدات الخارجية أو تعزز الشعور بالوحدة في مواجهة الشدائد، وفي كثير من الأحيان، خاصة في أوقات الحرب، تقوم بالأمرين معًا، يمكن أن يسبب هذا مزيجًا من المشاعر التي تعيق قدرتنا على معالجة حزننا، فإذا كنت تشعر بالإرهاق، فحاول الحد من كمية ونوع المحتوى الذي تشاهده يوميًا، هذا لا يعني أنه يتعين عليك الانفصال تمامًا، ولكن اتخاذ قرار واعي بشأن عدد المرات التي ستقضيها على وسائل الإعلام الإخبارية، وبهذا فإننا نعزّز قوتنا ونحمي أنفسنا من الأذى النفسي.
- سيطر على مشاعرك قدر ما تستطيع
إن العثور على طرق صغيرة لممارسة السيطرة على مدار اليوم يمنع مشاعر العجز التي لا يمكن التغلب عليها والتي تأتي مع التأثر بالحرب، انظر إلى حياتك وهواياتك وقم بممارستها، يمكن أن يكون ذلك بمثابة الذهاب إلى النوم في وقت محدد لضمان نوم جيد ليلاً، أو الذهاب للنزهة أثناء استراحة العمل، أو ممارسة اليقظة الذهنية أو التأمل، أو الاستماع إلى أغنيتك المفضلة، الإجراءات الصغيرة تقطع شوطا طويلا في الحفاظ على الروتين، ويمكن أن تساعدنا في التغلب على الشعور بالعجز في أعقاب الأزمات المستمرة.
- العمل المجتمعي
عندما يكون الحزن جماعيا، يجب أن يكون التشافي كذلك، تنظيم العمل المجتمعي، مثل العمل التطوعي أو عمل حملات التبرع، يمكن أن يساعد أيضًا في إعادة التمكين المجتمعي، يمكنك جمع الأصدقاء والعائلة معًا للتطوع، أو الانضمام إلى منظمة محلية أو نادٍ يشارك في تعزيز مجتمعك، حتى خلال هذه الأوقات العصيبة، يمكن العثور على الراحة من خلال تواصلنا مع الآخرين الذين لديهم نفس التجربة الحياتية.
- تذكر أنك لست ملزمًا بالأداء
في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، نحن في وضع فريد لمشاركة أفكارنا ومشاعرنا مع بقية العالم، في حين أن هذه أداة رائعة للتعبير عن الذات، إلا أن الشعور بالاضطرار إلى مشاركة كل آراءنا يعرض صحتنا النفسية للخطر، قد تشعر بالضغط من الآخرين للبقاء نشطًا والنشر عبر الإنترنت في أعقاب المأساة، ومع ذلك، إذا كنت تشعر بالحزن، فمن المهم استكشاف مشاعرك دون الضغط على الآخرين، يمكن أن يساعدك تدوين اليوميات أو التحدث إلى صديق مقرب أو أحد أفراد العائلة أو رؤية مستشار في التخلص من مشاعرك في بيئة صحيّة خالية من الأحكام.
إذا كنت تعاني من حزن الحرب، تذكر أنك لست وحدك. مستشارونا موجودون هنا لمساعدتك في معالجة وضعك الحالي وإيجاد آليات التكيف التي تناسبك. توفر مبادرة "تكلّم_تهتم" الخاصة بنا مساعدة نفسيّة مجانية للمتضررين من الأحداث المأساوية للحرب، إذا كنت أنت أو أي شخص تعرفه بحاجة إلى الدعم، يمكنك التسجيل في هذه المبادرة، أو التواصل مع أحد مستشارينا المختصّين، أو الاتصال بالفريق على الايميل التالي: info@takalam.ae